ما هي أمراض الشبكية؟ وكيف يمكن علاجها؟
تؤثر أمراض الشبكية في نسبة كبيرة من كبار السن، ويؤثر بعضها بشكل خفيف في الرؤية، بينما قد يؤدي البعض الآخر إلى العمى، ومع ذلك يمكن منع مضاعفات أمراض الشبكية، إذا ما تم تشخيص الحالة وعلاجها مبكرًا، ويُعد انفصال وتمزق الشبكية من أكثر اضطرابات الشبكية الشائعة، وفي السطور التالية سنوضح أهم أنواع أمراض الشبكية، وطرق علاجها المختلفة.
ما هي أمراض الشبكية؟
شبكية العين، هي الطبقة الأعمق في العين، وهي جزء شفاف يحتوي على ملايين الخلايا الحساسة للضوء، والتي تستقبل الضوء وتحوله إلى إشارات كهربائية تنتقل عبر العصب البصري إلى الدماغ، ما يؤدي إلى الرؤية.
أمراض الشبكية هي حالات تؤثر في أي جزء من شبكية العين، وقد تؤدي أمراض الشبكية غير المعالجة إلى ضعف البصر الشديد وحتى العمى. من خلال الاكتشاف المبكر، يمكن علاج بعض أمراض الشبكية، كما يمكن السيطرة على حالات أخرى، أو إبطائها للحفاظ على الرؤية أو حتى استعادتها. ويُوجد عدة أنواع من أمراض الشبكية، سنوضحها فيما يلي.
تمزق الشبكية
يحدث تمزق الشبكية عندما يبدأ الجسم أو السائل الزجاجي (المادة الهلامية الشفافة التي تملأ العين) في الانكماش، ويسحب الشبكية بقوة كافية لإحداث تمزق فيها. مع التقدم في العمر، يميل الجسم الزجاجي إلى الانفصال عن الشبكية، مما يؤدي إلى حالة تُعرف بالانفصال الزجاجي الخلفي، والذي يصيب أكثر من 60% من الأشخاص فوق سن الـ 70. في معظم الحالات لا يسبب الانفصال الزجاجي الخلفي أي مضاعفات، ومع ذلك، يُولد بعض الأشخاص بجسم زجاجي أكثر لزوجة، ما يؤدي إلى انسحابه من الشبكية بطريقة غير طبيعية، الأمر الذي يسبب بدوره تمزق في الشبكية. في حالات نادرة، قد يحدث تمزق الشبكية نتيجة إصابة العين.
يتسبب تمزق الشبكية في تغيرات مفاجئة في الرؤية، مثل البقع السوداء أو الأضواء الوامضة. قد يزيد تمزق الشبكية من خطر الإصابة بانفصال الشبكية، وفقدان البصر الشديد. عادةً ما يتم علاج تمزق الشبكية بجراحة الليزر أو علاجات التجميد التي تسمى العلاج بالتبريد.
انفصال الشبكية
يحدث انفصال الشبكية عمومًا عندما ينتقل السائل الزجاجي عبر الجزء المتمزق من الشبكية ويؤدي إلى انفصال الشبكية عن الأنسجة الأخرى في مؤخرة العين، ما يؤدي إلى انقطاع إمدادها بالدم فلا تتمكن من العمل بشكل صحيح. يصيب انفصال الشبكية 5 من كل 100.000 شخص سنويًا، ويحدث بشكل أكثر شيوعًا لكبار السن، تعتمد أعراض انفصال الشبكية على مدى الانفصال، وقد لا تظهر أعراض على الإطلاق أو يصاحبها ظهور أضواء وامضة، وعوائم العين (نقاط سوداء أو رمادية أو خطوط تظهر في مجال الرؤية) أو ظل يحجب الرؤية المحيطية وأحيانًا الرؤية المركزية أيضًا.
اعتلال الشبكية السكري
اعتلال الشبكية السكري من المضاعفات الخطيرة لمرض السكري التي قد تتسبب في فقدان البصر، ويحدث بسبب ارتفاع مستويات السكر في مجرى الدم، ما يؤدي إلى تلف شبكية العين بشكل تدريجي. يتسبب مرض السكري في تلف الأوعية الدموية الصغيرة في جميع أنحاء الجسم، بما في ذلك الشعيرات الدموية الدقيقة في شبكية العين. تتسبب هذه الأوعية الدموية الدقيقة التالفة في تسريب الدم والسوائل الأخرى إلى العين، وتتسبب في تضخم أنسجة الشبكية، ما يؤدي إلى رؤية ضبابية. مع تلف هذه الأوعية الدموية، يتم إنتاج أوعية دموية جديدة غير طبيعية، هذه الأوعية الجديدة تكون هشة وأكثر عرضة لتسريب السوائل ونزيفها في العين. يصيب اعتلال الشبكية السكري 1 من كل 3 أشخاص مصابين بداء السكري. هناك ثلاثة أنواع مختلفة من اعتلال الشبكية السكري، وهي:
اعتلال الشبكية غير التكاثري: يُعد هذا النوع هو المرحلة الأولى من المرض. في هذه المرحلة، يؤدي ارتفاع تركيز السكر في الدم إلى تمدد الأوعية الدموية الدقيقة في شبكية العين، تتمزق تمدد الأوعية الدموية الدقيقة في النهاية وتنزف.
اعتلال الشبكية التكاثري: هو الشكل الأكثر شدة للمرض. في هذه المرحلة، تبدأ الأوعية الدموية غير الطبيعية بالنمو في الشبكية. إذا انكسرت هذه الأوعية الدموية الجديدة، فقد يؤدي ذلك إلى حدوث نزيف في الجسم الزجاجي الذي يملأ العين، ما يتسبب في تندب الشبكية وصعوبات شديدة في الرؤية وحتى العمى.
الوذمة البقعية السكرية: هي أحد مضاعفات اعتلال الشبكية السكري، وتحدث عندما يتسرب السائل من الأوعية الدموية التالفة إلى الجزء من الشبكية المسؤول عن الرؤية المركزية الحادة التي تسمح برؤية التفاصيل الدقيقة. قد تسبب الوذمة البقعية السكرية رؤية ضبابية أو متموجة، ونقاط عمياء، وتسبب ظهور الألوان باهتة. قد تؤثر هذه الأعراض في القدرة على القراءة والكتابة والقيادة والتعرف إلى الوجوه
الغشاء فوق الشبكي
الأغشية فوق الشبكية هي أغشية رقيقة (تشبه قطعة مجعدة من السوليفان، لذا تُعرف هذه الحالة أيضًا باعتلال البقعة السيلوفاني) تتكون على السطح الداخلي للشبكية وتسبب تقلصها وانسحابها، ما يؤدي إلى الرؤية غير الواضحة أو الملتوية أو فقدان الرؤية، وتحدث هذه الحالة بنسبة كبيرة نتيجة تمزق في الشبكية، أو انفصالها، أو إصابات والتهابات داخل العين.
التهاب الشبكية الصباغي
هو مرض وراثي نادر يتسبب في تلف الشبكية وفقدان البصر، وهو واحد من أكثر أشكال تنكس الشبكية الوراثي شيوعًا، والذي يؤثر في 1 من كل 4000 شخص على مستوى العالم. في مرحلته الأولية، تبدأ خلايا الشبكية في التدهور في جزء الشبكية المسؤول عن الرؤية المحيطية الوسطى، ما يؤدي إلى انخفاض الرؤية الليلية وفقدان المجال البصري المحيطي الأوسط وصعوبة الرؤية في الإضاءة المنخفضة. يستمر التطور السريع للمرض في تدمير الخلايا في المجال البصري المركزي ما يؤدي إلى رؤية نفقية (رؤية الجزء الأوسط فقط)، وانخفاض حدة البصر، وفقدان رؤية الألوان، ولا يُوجد علاج لالتهاب الشبكة الصباغي، ولكن تهدف العلاجات إلى استخدام مساعدات لضعف البصر لتوسيع مجال الرؤية للمريض.
انسداد الوريد المركزي
هو حالة تحدث عند انسداد الوريد المركزي المسؤول عن تصريف الدم من الشبكية، وتحدث عادةً نتيجة لجلطة دموية. قد تحدث هذه الحالة أيضًا بسبب مرض السكري أو الجلوكوما (المياه الزرقاء على العين)، يظهر انسداد الوريد الشبكي المركزي بشكل عام في عين واحدة فقط. هناك نوعان مختلفان من انسداد الوريد المركزي، وهما:
انسداد الوريدي غير الإفقاري: هو شكل معتدل يتسبب في تسرب خلايا الشبكية، وعادةً لا يصاحبه أي أعراض، ولكن قد يشكو بعض المرضى من عدم وضوح الرؤية أو تشوهها.
انسداد الوريد الإفقاري: وهو أكثر خطورة، قد يتسبب في انغلاق خلايا الشبكية، ما يؤدي إلى الألم والاحمرار والتهيج وفقدان البصر مع فرصة أقل لاستعادة الرؤية. عادةً ما يتم علاج انسداد الوريد الشبكي المركزي بحقن مضادة لعامل نمو بطانة الأوعية الدموية والتي تُستخدم لتقليل نمو الأوعية الدموية الجديدة غير الطبيعية وتورم الشبكية. قد يُوصى أيضًا بإجراء جراحة بالليزر لعلاج دائم.
انسداد الوريد الشبكي الفرعي
يحدث انسداد الوريد الشبكي الفرعي، عندما يكون هناك انسداد في أحد فروع الوريد الشبكي، عادةً ما يحدث انسداد الوريد الشبكي الفرعي نتيجة لجلطة دموية تمنع تصريف الدم، وغالبًا ما يؤدي انسداد الوريد الشبكي الفرعي إلى فقدان مفاجئ للرؤية. عادةً ما يتم علاج انسداد الوريد الشبكي الفرعي بالحقن المضادة لعامل نمو بطانة الأوعية الدموية أو الجراحة بالليزر.
الضمور البقعي
نظرًا لأن التنكس البقعي أكثر شيوعًا بين كبار السن، فإن أطباء العيون يسمونه عادةً الضمور البقعي المرتبط بالعمر. في هذه الحالة، تتدهور البقعة الصفراء وتتسبب في تشوه الرؤية المركزية، والتي قد تتفاقم بمرور الوقت وتسبب فقدان البصر بشكل دائم.
التهاب الشبكية
يحدث التهاب الشبكية عادةً نتيجة عدوى فيروسية أو بكتيرية، على سبيل المثال، قد يسبب مرض لايم والزهري وحمى الضنك التهاب الشبكية. قد تتسبب حالات المناعة الذاتية، مثل مرض بهجت والذئبة الحمراء، في حدوث هذه الحالة أيضًا.
ما أعراض أمراض الشبكية؟
على الرغم من وجود أنواع مختلفة من أمراض الشبكية، فإن معظم هذه الحالات يصاحبها علامات وأعراض متشابهة، والتي تشمل:
-رؤية بقع عائمة أو ومضات من الضوء.
-رؤية مشوشة أو نقاط عمياء في الرؤية المركزية.
-ضعف الرؤية.
-تغييرات في الرؤية.
-رؤية ضبابية أو فقدان الرؤية في بعض مناطق المجال البصري.
-ضعف الرؤية المركزية أو الجانبية (المحيطية).
-فقدان مفاجئ في الرؤية.
-التغييرات في إدراك الألوان.
-صعوبة الرؤية في الليل.
-صعوبة في التكيف مع تغيرات الضوء.
ما عوامل الخطر لأمراض الشبكية؟
قد تزيد عوامل معينة من خطر الإصابة بأمراض الشبكية، ومنها:
-الشيخوخة.
-التدخين.
-السمنة.
-الإصابة بمرض السكري أو أمراض أخرى.
-إصابات العين.
-تاريخ عائلي من أمراض الشبكية.
كيف يمكن علاج أمراض الشبكية؟
تركز العلاجات المختلفة لأمراض الشبكية على إيقاف أو إبطاء تقدم المرض، والحفاظ على الرؤية وتحسينها أو استعادتها. في كثير من الحالات، لا يمكن عكس الضرر الذي حدث بالفعل، ما يجعل الاكتشاف المبكر مهمًا، ويختلف علاج اضطرابات الشبكية باختلاف نوع ومدى الحالة، وتشمل خيارات العلاج الشائعة ما يلي:
جراحات الليزر: عادةً ما يلجأ الطبيب لجراحات الليزر لإصلاح تمزق أو ثقب الشبكية، عن طريق تسليط شعاع الليزر على المناطق المتضررة في الشبكية، ما ينتج عنه تندب يربط الشبكية بالأنسجة الأساسية، تقلل هذه الطريقة من فرص انفصال الشبكية.
العلاج بالتجميد: خلال هذا الإجراء يوجه الجراح مسبار تجميد على الجدار الخارجي للعين لعلاج تمزق الشبكية. تساعد البرودة الشديدة على تكوين نسيج ندبي في المنطقة المعالجة وتثبيت الشبكية بجدار العين.
حقن الهواء: تُستخدم هذه التقنية المسماة بتثبيت الشبكية الهوائي للمساعدة في إصلاح أنواع معينة من انفصال الشبكية. يمكن استخدامه مع التثبيت بالتبريد أو التخثير الضوئي بالليزر.
جراحة التواء الصلبة: تُستخدم هذه الجراحة لإصلاح انفصال الشبكية، وفيها يقوم الجراح بخياطة قطعة صغيرة من السيليكون على سطح العين الخارجي، ما يساعد على إعادة ربط الشبكية.
استئصال الزجاجية: وهي تقنية تهدف لتفريغ واستبدال السائل الموجود في العين. في هذا الإجراء، يزيل الجراح السائل الهلامي الذي يملأ الجزء الداخلي من العين (الجسم الزجاجي)، ثم يحقن هواء أو غاز أو سائل في هذا الفراغ، وعادةً ما يلجأ الطبيب لهذا الإجراء لعلاج تمزق الشبكية، أو اعتلال الشبكية السكري، أو الغشاء فوق الشبكي، أو عدوى ، أو إصابة في العين، أو انفصال الشبكية.
حقن الدواء في العين: قد يوصي الطبيب بحقن دواء في الجسم الزجاجي في العين. قد تكون هذه التقنية فعالة في علاج الأشخاص الذين يعانون من التنكس البقعي الرطب أو اعتلال الشبكية السكري أو الأوعية الدموية المكسورة داخل العين.
زراعة الشبكية الصناعية: قد يحتاج الأشخاص الذين يعانون من فقدان البصر الشديد أو العمى بسبب بعض أمراض الشبكية الوراثية إلى زراعة شبكية صناعية، وفيها يتم زرع شريحة قطب كهربائي صغيرة في شبكية العين والتي تتلقى وتنقل المعلومات المرئية التي لم تعد الشبكية التالفة قادرة على معالجتها.
في النهاية، فإن أمراض الشبكية من الحالات التي يمكن السيطرة عليها عن طريق الاكتشاف المبكر والالتزام بالخطة العلاجية، ويُنصح بالخضوع لفحوص منتظمة للعين، في حالة الإصابة بأمراض كامنة مثل مرض السكري، أو أمراض المناعة الذاتية، للتشخيص المبكر ومنع حدوث مضاعفات.